النص الأدبي – دراسة وتحليل -
الهدف من دراسةالنص الأدبي:
الوقوف على إبداعات الأديب في نصِّه وما تجلَّى فيه من جماليات جعلت القارئ ينفعل بها ويتأثَّر مثلما انفعل بها الأديب من قبل وتأثَّر ؛ انفعالاً وتأثُّراً يجعلانه مشدوداً إلى ما في النص من سماتٍ فنيَّةٍ ترقى بالأدب , ومن قيـمٍ موضوعيةٍ تسمو بالإنسان إلى مراقي التقدُّم والكمال.(1)
تقومُ هذه الدراسة على تتبّع أهمّية المنهجيّة في الحصول على المعرفة الحقيقية، وحضور القارئ كركنٍ أساسي لفَهْم حركة الإنسان والثقافة والأدب، واعتماد النص كمدخل دراسيّ.
بدايةً ، فإنّ مصطلح منهجيّة ليس طارئاً على العقلية العربيَّة؛ فلقد ورد عند العرب في تراثهم، فذكرها ابن منظور في " لسان العرب" مادة نهج ، فقال : نَهَجَ: نَهْجٌ : طريق بَيّنٌ واضح، وهو النّهجُ ، ومَنهجُ الطريق وضحه، والمنهاج: كالمَنْهجُ، وفي التنزيل: { لكلٍٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومِنهاجا }(2) . والمِنهاج : الطّريقُ الواضحُ، وَنهجْتُ الطريقَ: سلكتُه، والنهج: الطريق المستقيم" (3).
والمنهجيَّة هي الطريقة الواضحة التي يجب على الباحث والدَّارس أن يسلكها في بحثه، وهي مجموعة التقنيات والوسائل التي تساعده في الحصول على المعرفة.
كما ركَّز العرب في مؤلفاتهم على أهميَّة فَهْم المقروء، فلقد سُئِل أبو تمام : لم تقول من الشعر ما لا يُفْهَم؟فأجاب : لم لا تَفْهَم ما يُقَال؟.
ومن الأسس التي يقوم عليها هذا المنهج ما يلي :
شمولية النص :
إن دراسة النص أصبحت شاملة . وهذا يعني أن دراسة النص لم تَعُد مغلقة على نفسها ، وإنما بدأت تدخل في حسابها مكتسبات العلوم الأخرى، التي تهتمُّ بالاتصال الإنساني، من معرفة أحكام شرعيَّة وفقهيَّة ومجالات التاريخ وعلم النفس ، وعلم الاجتماع وعلم النفس المعرفيّ، وغيرها. فمعرفة النص أصبحت صناعةً متكاملةً تحتاج لدراستها فَهْم أنماط الحياة البشريَّة ، فالنص بهذا المفهوم يصبح مدخلاً لفَهْمِ الحياة ، ويؤسِّس طريقاً واضحاً لحياة الأفراد والجماعات.
_________________________________________________
(1) د.جبر سليمان خضير البيتاوي الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية ،جامعة النجاح الوطنية ،بحث نحو منهجية النص الأدبي ، 1425 هـ -2005م .
(2)المائدة : 48
(3)ابن منظور : لسان العرب ، 2 / 382 مادة نهج ، بيروت ، دار صادر ، 1990
"ولذا فإن لغة علم النص لا تتوقَّف عند كلمات النص ، وما يمتلكه مستويات الدرس اللُّغوي من أصوات وصرف ونحو ودلالة فحسب . وإنما يحاول النفاذ إلى ما وراء النص الجاهز من عوامل معرفيَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة، ومن عمليات عقليَّة، كان النص حصيلة لتفاعلها جميعاً "(1).
وهذا يؤكِّد أن أهميَّة النص تكمن فيما يؤثِّره في القارئ ، وما يخلُقه من تأثير داخليِّ في نفسه ، كذلك وما يُحْدِثه في نفسه من نقلة نوعيَّة في التفكير، ومن السطحية في التعامل مع الأشياء ، إلى عُمْق الرؤية ورحابة الحياة.
وإن قراءة النص قراءة منهجيَّة تعني صياغة جديدة لإنسان متطوِّر،بل تجعل من فَهْم النصوص عالماً متجدِّداً يساهم في خلق واقع متغيِّر وثابت .
"فنحن نبحث عن قارئ يشتغل على النصوص مساءلةً واستنطاقاً ، أو حفراً و تنقيباً و تحليلاً وتفكيكاً، وإلى قارئ يدرك بأن النص بات يشكل منطقة من مناطق عمل الفكر. وهذا ما يجعل منه حقلاً يتكشَّف فحصه والاشتغال فيه عن إمكان للوجود والفكر معاً. ومعنى الإمكان هنا أن استكشاف النص يؤول إلى إعادة ترتيب علاقتنا بوجودنا ومقولاتنا بالحقيقة والذات والعقل والمعنى والمؤلف والقارئ."(2)
اعتماد التحليل الشفهي
إن قراءة النص بصوتٍ عالٍ ممثلٍ للمعنى تُعطيه إضاءات كثيرة ومتنوِّعة، فمن الاعتبارات المهمة التي تقودنا إلى مناصرة التحليل الشفهي للنصوص الأدبية (3) .
إن التحليل الشفهي يمنح النصوصَ حياةً، يعيد إليها نضارة وإحياءً وخاصةً للأعمال القديمة، ويضعها في أرضيِّة جامعة تجعلها في وضع أفضل من تقليد الخصوصية المتمثلة في همس المؤلف في أذن القارئ مباشرة. فالأداء يتطلَّب خلق صوت بارز آخر هو صوت النص ذاته.
فلماذا لا نعتبر الصوت مظهراً من مظاهر حياتنا و يتطلَّب التدريب ضمن إطار العملية التعلُّميَّة، ليس على نحو منفصل كالخطبة والموعظة، وإنما كجزء لا يتجزأ من دراسة الأدب المحلَّل شفهياً؟
وهذا لا يعني إغفال القراءة الصامتة للأدب، بل لا بدَّ من أن يكون للأدب الشفهيّ دورٌ مهمٌ في عمليَّة التحليل الإبداعيّ عبر حضور القارئ المبدع.
* "تعرَّف القراءة الإبداعية بأنها :" عملية عقلية وجدانية تتجاوز تَعَرُّف الكلمات وفَهْم النص واستيعابه ، وتمتد لتتعمَّق فيه ؛ حتى يتوصل القارئ إلى اكتشاف علاقاتٍ جديدةٍ بين الأشياء والحقائق والأحداث الواردة في النص ؛ ويستطيع القارئ المبدع أيضاً أن يولِّد أفكاراً جديدة ومتنوعة ، ويكتشف حلولاً جديدةً متنوعةً من خلال المعلومات المقدَّمة إليه في النص "(4).
____________________________________________________________
(1) روبرت ديبوغراند بالاشتراك مع الهام أنو غزالة ، وعلي خليل : مدخل إلى لغة علم النص ، ص 7 ، القدس ، مطبعة دار الكاتب 1992.
(2)علي حرب : نقد النص ، بيروت : المركز الثقافي العربي 1995.
(3)بول هيرنادي : ما هو النقد ؟ ترجمة / سلافة حجاوي ، ص 113 – 116 ( بتصرف)
(4) د. سمير يونس أحمد صلاح ، التعلُّم الذاتي والقراءة ، دار اقرأ ، ص 139
إن قراءة النص قراءة منهجيَّة يعني أن يصبح القارئ قادراً على فَهْم دواخل النصوص لأن عملية القراءة الإبداعيَّة لا تَكْمُن في وجود النص المُبْدع والكاتب المُبْدع فقط بل لا بدّ من وجود القارئ المُبْدع وهو الركن الثالث من العمليَّة الإبداعيَّة، ونَعْني بذلك الكاتب والنص والقارئ الذي لا بدَّ له من أن يمتلك مهارات القراءة الإبداعيَّة حتى يصبح جزءاً مهماً في هذه العمليَّة.
وهذه المهارات هي : إضافة أفكاراً جديدة إلى النص المقروء – اكتشاف العناصر المفقودة في النص – طرح أسئلة مثيرة للتفكير ترتبط بالنص بعد قراءته – الإجابة عن الأسئلة المفتوحة – توظيف الأفكار والحقائق المستخلصة من النص في مواقف جديدة – التنبأ بالأحداث من خلال المعلومات المقدَّمة إليه في النص المقروء- ابتكار حلولاً متنوعة للمشكلة المعروضة بالنص – ابتكار عناوين للنص لا تقل عن ثلاثة عناوين – ابتكار نهاية للنص القصصي – التعبير عن المقروء بإنتاج إبداعي جديد ( كالمسرحية – الشعر – القصة – الحكمة )(1)
والدراسة المنهجيَّة هي الدراسة التي تتلخَّص في الاعتماد على النص الذي نريد أن نجعل منه مجالاً للدراسة والتحليل، وذلك من خلال دراسة المستويات اللُّغويَّة والدِّلاليَّة وتوظيفها خدمةً للنص (2).
"وهذه الدراسة تقوم على أن النص الأدبيّ مجموعة من الأبعاد والمستويات والتفاعلات اللُّغويَّة والدَّلاليَّة، وأن الخروج عن النص من أجل عدم القدرة على الربط والفَهْم والتذوق والتحليل، قد جعل إشكالية التعبير الأدبي منوطاً بالقارئ لا بالنص، لهذا فإن النقد الأدبي يجب أن يُبْنَى على إيجاد الجدليَّة بين القارئ والنص لا من خلال ما يريده القارئ بل من خلال ما يريد النص أن يُعْـلِن عنه، وما القارئ والمتذوِّق إلا ذلك الكيميائي الحاذق الذي يجعل من هذه المواد المتفاعلة والعناصر المتداخلة أشكالاً مادية لا يستطيع أن يجد أبعادها إلا من خلال التفاعل والتداخل والعلاقات ، وكذا عناصر النص وأبعاده التي تحتويها عناصر اللغة، ودلالة السياق. غير أن هذه الدراسة المنهجيَّة لا تعني الفصل بين عالم النص والعالم المحيط به" (3) .
ونعني بذلك التركيز على النص، أما حياة الأديب وبيئته و العالم المحيط حول النص فهو يساهم في تضافر فَهْم النص من خلال الأبعاد والمستويات المختلفة، كما أن الدراسة المنهجيَّة "لا تعني أن دراسة النصوص الأدبيَّة تقوم بعيداً عن التاريخ والمجتمع المحيط بالأدب، لكن أن نجعل من دراسة النص الأدبي تصويراً فوتوغرافيَّاً للواقع التاريخي والاجتماعي والسياسي كما صوّره ولا زال يصوِّره كثير من الأدباء والدارسين، فهذا يَهْدِم أركان النص الأدبي الذي يتميَّز بأنه عالم السياق والصور التي بناها الأديب لا ما نريد أن نبنيه نحن" (4) .
إن هذا النوع من الدراسة الأدبيَّة -"الدراسة المنهجيَّة" - تجعلنا نتذوق الأدب العربي ونحسُّ به ليس من خلال التلقين، بل من خلال الدراسة التحليليَّة.
فلم يعد تحليل العمل الأدبي متروكاً للارتجال والتذوق المزاجي، والانطباعيَّة التي لا رقيب عليها. "فدراسة الأدب دراسة جدِّيَّة تتطلَّب اختصاصاً، والاختصاص يتطلَّب عُدَّةً منهجية. ولنعترف بصدق أن مدارسنا لم تُثْبِت حتى الآن أن همّها الأول هو تدريب الطالب على التحليل المنهجي وتطوير حسه النقدي " (5) . حيث أن المحاضرة الجاهزة وأسلوب التلقين، والكتاب الجاهز قد غيَّب القارئ فجعل منه أداة استماع وتخزين فقط .
____________________________________________________________________________
(1) د. سمير يونس أحمد صلاح ، التعلُّم الذاتي والقراءة ، دار اقرأ ، ص 155
(2) (3) د.جبر سليمان خضير البيتاوي الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية ،جامعة النجاح الوطنية ،بحث نحو منهجية النص الأدبي ، 1425 هـ -2005م
(4)جيرمي ، هوثورن : النقد والنظرية النقدية ، ص 73 ، ترجمة عبد الرحمن محمود رضا ، بغداد : دار الشئون الثقافية العامة ، 1990 .
(5) انطوان طعمة : نحو دراسة منهجية للأدب القصصي ، ص 17
صفات الناقد ( المعلم ) الجيد
بُني النقد الأدبي على أعمدة و أسس علميَّة، و أُطلق عليها اصطلاحًا، الشروط التي يجب أن تتوفر في الناقد:
1- سلامة الذوق ؛ لأن المتنبي يقول : ومَنْ يكُ ذا فمٍ مريضٍ يجد مُرَّاً به الماء الزلالا
2- دقَِّة الحس , فلابد من أن يتجاوب الناقد والأثر الأدبي وينفعل به انفعالاً عميقاً , فينتقل بكل حواسه إلى الجو الذي عاش فيه الأديب ويتقمَّص شخصيته .
3- الذكاء والخبرة: و هي قاعدة عريضة، تشمل إلمام الناقد بمعرفة أدبيَّة شاملة للنص الفني، ثم بما يتعلَّق به من فنون وموضوعات أخرى. فالنقد لا تُحكم قضاياه إلا إذا أحكم الناقد مقاييسه الخاصة، واستعان بالمقارنة بمقاييس الفنون الأخرى، و يجب أن يكون الناقد مُلمَّاً بعصر الأديب و مستواه و سيرته.
4-المشاركة الوجدانية " التعاطف " : فالناقد يجب أن تكون لديه القدرة على النفاذ إلى عقليَّة الأديب و عاطفته، و يتمُّ تطبيق تبادل المواقف أي أن الناقد يضع نفسه في زاوية الأديب ويتقمَّص موقفه نحو التجارب التي تجود بها قريحته والفنون التي يبدعها، ليرى بعينه و بصيرته ما رأته عين الكاتب، و يسمع بأذنـه موسيـقاه و شجونه، كي يـدرك ما تاقت روح الكاتب للوصول إليه. فيتحرّر من جسده و يتقمّص ذات الأديب ليحيا بيئته و يندمج بأعماله.
5-الذاتية أو الفردية: و هي العودة إلى النفس و التحرُّر من جاذبية الأديب نحو فضاء الذات. وهنا يقدّم الناقد ذوقه الخاص و مقاييسة الذاتية كأدوات حكم، فيقدِّم إضافةً للمشاركة العاطفيَّة السابقة، طعمه فيما تذوَّق من فنون، فلا يصرفه ذلك عن سلامة الرأي والعدل في الحكم. وهو مزيج من الذوق الذاتي والخبرة الشاملة أو من المواهب الشخصيَّة التي تعكس الآثار الأدبيَّة في قالَب محدد ثم تتذوقها و تحكم عليها. وهنا تُضفي الذاتية للناقد التَّميُّز والابتكار و الطرافة و قوة اليقين .
6- "الثقافة العامة والخاصة : فهي تكسب صاحبها المعرفة من جانب ، وتهذِّب عقله من جانب آخر ، فالمعرفة تعطي مكتسبها سعة النظرة وعمقها ، مما يهيِّئ للناقد أساساً قويَّاً ، وفَهْمَاً عميقاً للخصائص التي يجب أن تتوفَّر في النص الأدبي من عمق فكر ، وجودة صياغة ، وروعة خيال .
ثم إن الثقافة تهذِّب العقل كذلك ، بأن تجعل هذه المعرفة التي اكتسبها الناقد قابلة لأن ينتفع بها في كل حين ، وتلك من أوضح سمات العمل النقدي البنَّاء "(1) .
_________________________________________________________________
(1) النصوص الأدبية تحليلها ونقدها ، د. علي عبد الحليم محمود ، الطبعة الثانية 1403 هـ - 1982م . ص 12 .
قبل تحليل النص الأدبي :
í معرفة الأديب :
فالأدب يفسر الأديب ، وحياة الأديب تفسر الأدب ، فبعض النصوص الخالدة لا نستطيع فَهْمَها إلا بمعرفة قائليها ، ولا نستطيع أن نعلِّل بعض الظواهر الأدبية إلا بذلك مثلاً: لِمَ أجاد الحطيئة الهجاء ولم يُجِد الفخر؟ .
í المناسبة :
وهي السبب المباشر لإنشاء النص ، فالقصيدة كالبركان يعتمل بالتوتر تحت سطح الأرض وساعة انفجاره تأتي متأخرة عن ساعة تكوينه , و المناسبة كالضوء الذي يساعدنا على رؤية ما تحت النص ، و مع هذا على الدارس أن لا يُغْرِق نفسه في دراسة مناسبة النص وقائله , فتكون دراسة نفسيَّة .
í الزمان والمكان :
معرفة الزمان مهمة لمعرفة تطوُّر الأجناس والظواهر الأدبية ولمعرفة فضل من تقدَّم ومزيَّة من تأخَّر , ومعرفة المكان تساعد على وصف الظواهر الأدبيَّة وتفسيرها , فأدب الصحراء يختلف عن أدب المدينة , وأدب الريف يمتاز عن أدبي المدينة والصحراء .
í قراءة النص :
على دارس النص أن يخلُص إلى قراءة النص قراءةً صحيحةً واعيةً ، تُفحص عن فَهْمِه له , وإحساسه به , ووقوفه على مضمونه ، علماً بأن قراءة واحدة أو اثنتين فقط للنص لا تكفي بل يُقرأ النص قراءةً نقديةً أي أكثر من مرة للوقوف على الأسرار والرموز التي أرسلها الأديب ومحاولة فكها حتى نصل إلى لُبِّ تجربة الكاتب وتتحقَّق الغاية الأسمى للنقد ألا وهي التذوق .
# إضافـــــة
لكي نتذوق أي نص أدبي ، لا بد لنا من فَهْمه أولاً ، وكلما كان فَهْمنا له أعمق كان تذوقنا له أقوى وأقرب ما يكون إلى المراد . وهذا الفَهْم يتطلَّب فَهْم ألفاظه وعباراته وتراكيبه وصوره ، وما يتعرَّض له من موضوعات وقضايا وما يصفه من مناظر وأوضاع ومواقف ...إلخ. وأي عجز عن فَهْم شيء من هذا سوف يؤثِّر سلبًا على عمليَّة التذوق(1) -دون جدال- كما يؤثِّر على تحليل النص الأدبي .
__________________________________________________
(1) علماً بأن التذوق أمر نسبي بين القراء والنقاد والدارسين ، وبالتالي لا يمكن قياسه .
تحليل النص
هنا نتناول الشكل والمضمون كل على حدة , دون أن ننسى أنهما مرتبطان بلا انفصال .
عناصر النص الأدبي :
أولاً:
الشكل :وهو الصياغة الفنية ابتداءً من رسم الحرف وجَرْس الصوت .......إلى الشكل الكامل للنص الأدبي .
ولدراسة هذا الشكل وبالتالي الحكم عليه حكماً صحيحاً نحتاج إلى تفكيك مستوياته للدراسة والتحليل (1) ، وهذه المستويات هي :
1- الجَرْس والإيقاع / ونعني بالجَرْس : صوت الحرف الواحد كصوت الألف مثلاً والباء والتاء ...وهكذا فمثلاً كلمة ( أنا) الهمزة جَرْس ، والنون جَرْس ، وألف المد جَرْس ، أما الإيقاع : تكرار جَرْس الحرف بطريقة منتظمة كتكرار حرف القاف مثلاً في قصيدة المقنَّع الكندي 2م/ف2/ص 90 حين يقول :
ولكلِّ إيقاعٍ غايةٌ وهدفٌ يتَّصل بالشعور ، فالشاعر هنا يُعَبِّر بالقاف عن مدى كَظْمه لغَيْظه من قومه مبرزاً مع النفي كلمة الحقد . – على الأديب استغلال هذا المستوى لإيصال شعوره إلينا -
2- المفردات / وهي الوحدة التي تلي وحدة الصوت وتتفاوت من جهات كثيرة منها ( الألفة "الشيوع" والغرابة ، الدقة في آداء المعنى )
ينبغي أن تكون لغة الأدب مأنوسة أليفة , على علوِّها وشرفها بأن تكون لغته وسطاً بين لغة المتقعِّرين من الرواة ولغة العامة الركيكة . يقول أبو هلال العسكري " وأما المختار من الكلام فهو الذي تعرفه العامة إذا سمعته ولا تستعمله في محاوراتها ".
فالغرابة : أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها , فيحتاج القارئ في معرفتها إلى أن يبحث عنها في كتب اللغة .
الابتذال : الكلمة المبتذلة هي التي لاكتها العامة حتى عطَّلت إشعاعها , فصارت باهتة منطفئة , ولغة الأدب ينبغي أن تمتاز عن لغة العلم ولغة الحياة اليومية بسموها ورقيها .
يُراعي الأديب الفروق الدقيقة بين معاني المفردات ليعبِّر عن شعوره بدقَّة فلا يستخدم الكلمة في غير موضعها وإلا عُدَّت عليه عيباً فمن الفروق مثلاً : "
الفرق بين العلم والمعرفة : المعرفة أخصُّ من العلم ، لأنها علم بعين الشيء مفصَّلاً عما سواه والعلم يكون مجملاً ومفصلاً ،
الفرق بين الحمد والشكر : الشكر هو الاعتراف بالنعمة ، والحمد هو الذكر بالجميل ويصح على النعمة وغيرها ،
الفرق بين الخوف والفزع : الفزع مفاجأة الخوف عند هجوم غارة أو صوت وما أشبه ذلك وهو انزعاج القلب بتوقع مكروه عاجل فهو حالة خاصة للخوف " (1)
__________________________________________________________
(1) علماً بأن مستويات الشكل الأدبي وحدة متكاملة لا يمكن فصلها .
[/size]
(2) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ص 62 ، 35 ، 200
3- المجازات (الصور): لا يقتصر اختيار الألفاظ على جَرْسها ولونها الانفعالي إذ قد يتصرف الشاعر في الكلمة بإخراجها عن معناها المألوف ليصل إلى غرضه على أتمِّ وجهٍ ممكن ، وهذا التصرُّف له تأثير كبير في المعنى من :
# إعطاء المعنى أبعاداً انفعالية واسعة .
# اختصار العبارات .
# التجسيد الحسي للتجربة الشعورية مما يعين الأديب على التعبير عن حالته النفسية .
4- نظم الجملة : والمقصود كيفية ترتيب الأديب لجمل عمله الأدبي (1) من تقديم وتأخير أو حذف جزء لكونه مفهوماً من السياق أو الإطناب والزيادة ، وقد يلجأ الأديب إلى أساليب أخرى مثلاً إذا طالت الجملة في معناها قد يقسِّمها إلى أشباه جمل يَحْسُنُ الوقوف عليها لالتقاط النفس كما فعل د. محمد بن بديع شريف في نص ابتسام الأعياد 3م/ف2/ص 47 .... وقد يستخدم التقديم وله عدة أغراض منها تعجيل المسرة أو المساءة ، تعجيل المساءة كما نقول : راسبٌ أنت في الامتحان . وهذا ما بنى عليه الكاتب عبد الكريم الطويَّان مقالته التي عنونها بثلاثية الحكمة 3م/ف2/ص 60 فقال: ( لا تغضب ، لا تيأس ، لا تستعجل ! ثلاث منهيات هنَّ من أهم ما يجب أن يحذر منها الإنسان ، وهنَّ خلاصة الحكمة ،ووصايا الحكماء ! ....لا تغضب إذ لاشيء في هذه الحياة يستحق غضبك....لا تيأس فاليأس قنوط .....لا تستعجل يا أخي فالعجلة ضد الحياة ...)ولم يقدِّمها إلا من أجل تنفير القارئ منها بسبب مخاطرها الجسيمة على حياته ، ومن أغراض التقديم:التشويق (عبد الله بن إدريس 1م/ف2/ص 58) : يومان بالدنيا : فيوم سعادة سرعان ما يمضي ، ويوم شقاء
ويرتبط ترتيب الجملة وتركيبها بأمور منها : حالة القائل ، حالة المتلقي ، اختلاف الموقف الانفعالي الذي يمليه معنى الجملة نفسه ، وعلى القارئ أن يفهم غرض الأديب من كل تركيب يختاره ليتبيَّن قيمته الفنية ونوع التأثير الوجداني الذي يتميَّز به .
5- الأساليب :
الأسلوب لغةً : هو الطريق والوجه والمذهب والفن ، يُقال : أخذ فلانٌ في أساليب من القول أي أفانين منه .
اصطلاحاً : هو طريقة الأداء أو طريقة التعبير التي يسلكها الأديب لتصوير ما في نفسه أو لنقله إلى سواه (2) .
وأساليب الشكل الأدبي ستة :
P أسلوب العرض أو التقرير : يُعنى القائل في هذا الأسلوب بفكرة محاولاً إيصالها إلى القارئ واستمالته إليها ولذا فهو يحتاج إلى مزيتين ضروريتين وهما " النظام والوضوح "
Pأسلوب الجدل : يتجه فيه القائل إلى خصم محاولاً إفحامه ولذا فهو يحتاج إلى الحجة وسوق الدليل .
P أسلوب الحض : وهو التنفير من أمر أو الترغيب في أمر ، وتتراوح لهجة الخطاب هنا بين اللين والعنف .
______________________________________________________________________
[b](1) للأديب كامل الحرية في اختيار الترتيب الذي يستخدمه .(2) أحمد الشايب : الأسلوب ، ص 44Pأسلوب الوصف : ينصبُّ فيه اهتمام الأديب على الموضوع سواءً كان هذا الموضوع ماديَّاً أو معنويَّاً – على الأديب المراوحة بين هذا الأسلوب وبقية الأساليب حتى لا يؤدِّي إلى ملل القارئ وبالتالي يصرفه عن متابعة قراءة العمل الأدبي - . Pأسلوب القصص ( السرد ) : وهو أكثر الأساليب تشويقاً للسامع أو القارئ ، فالنفس مجبولة بفطرتها إلى حب الاستماع إلى القصص ، ويعتمد هذا الأسلوب على جعل القارئ أو السامع يفترض أموراً متعدِّدة ليفاجئه الأديب في آخر العمل الأدبي بنهاية رائعة قد تكون إحدى فَرَضِيَّاته أو لا تكون ، لكنها مفاجئة مشوِّقة مليئة بالمتعة .Pأسلوب الحكاية : ويعتمد على تصوير حدث مصاحباً للحوار ، فمن خلال الحوار نتعرف على صفات الشخصيات ، و الأحداث ، والخطوط العريضة للقصة .ù نلاحظ تعدد أساليب الشكل الأدبي وذلك بهدف إحداث تأثير عقلي ووجداني في القارئ أو السامع بطريق مباشر أو غير مباشر .6- طُرُق الشكل الأدبي : للشكل الأدبي طريقتان " الجد والهزل " فطريقة الجد تعني : تحسين الموضوع بإظهار محاسنه وتهوين عيوبه ولذا فهي تتميز بالصدق والاقتصاد ، أما الهزل فتعني : تقبيح الموضوع بإظهار عيوبه وتشويه محاسنه وبالتالي تتميز بكثرة المبالغات غير المعقولة بهدف إثارة الضحك . 7- التصميم والبناء : وهو القالب الفني أو الشكل الكامل للعمل الأدبي فالتصميم يعني الفن الأدبي الذي يختاره الأديب بين الفنون الأدبية التي توصل إليها الأدباء عبر الزمن .ورَغْم تعدُّد مستويات الشكل الأدبي لا يَسَعُنا عند تفسيره أو تقويمه إغفال كون هذه المستويات وحدة متكاملة لا يمكن فصلها . أ- المطلع :البيت الأول فاتحة القصيدة متى ما عثر عليه الشاعر انصبَّ على موضوعه لأنه المفتاح الذي يدخل به المتلقِّي إلى فضاء النص.من الشروط التي حُدِّدت لجودة المطلع :1- أن يكون خالياً من المآخذ النَحْويَّة .2- أن يكون معبِّراً عن مضمون النص وأن تُراعى فيه جودة اللفظ والمعنى معاً, ومن المطالع التي تُوحي بموضوعها قول أبي تمام :السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب فموضوعها هنا ( الحرب والحماسة )وقول أبي البقاء الرندي : لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يُغَرُّ بطيب العيش إنسان موضوعها ( الرثاء)كذلك لابد أن لا يكون مما يُتشاءم منه أو يُتطيَّر به , بل حَسَن الوَقْع على النفس بعيداً عن التعقيد , واضحاً سَلس النَّغَم والجَرْس .- إن لم يكن رائعاً فينبغي أن لا يكون بارداً كقول أبي العتاهية : ألا ما لسيدتي مالها أدلاًّ فأحمل إدلالهافمثل هذا الكلام لا يناسب بداية قصيدة تُلقى بمناسبة اجتماعية كبيرة يُبايع فيها المهدي بالخلافة.4- أن يكون نادراً انفرد الشاعر باختراعه كقول المتنبي : الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثانيب - الخاتمة : استحسن نقادنا الأقدمون أن يكون البيت الأخير مختاراً رائعاً لأنه آخر ما يرتسم في النفس ويَعِيْه السمع.وأحسن الانتهاء ما جمع الجودة والإشعار بتمام الكلام .ومن ذلك قول عبد العزيز بن محمد خليل في نص الفردوس الأندلسي المفقود 2م/ف2/ص 103 .
فقد كان من بداية الأبيات يبكي حسرة على فقدان الأندلس معدِّداً أمجاد المسلمين الأوائل وما فعلوه فيها من حضارة ورقي ونشر دين ليختم القصيدة بهذا البيت الرائع المليء حسرة ودموعاً : جـ - الطول :لم يحدِّد القدماء طولاً معيناً للقصيدة ,وكان شعراء العرب يميلون إلى القصائد القصيرة لأسباب فنيَّة واجتماعيَّة ونفسيَّة منها : الرغبة في التنقيح , والاكتفاء بما قلّ ودلّ .ومنها :أن القصيدة القصيرة أروج وأسير عند الحفَّاظ والرواة .ومنها : حرصهم على تجنيب السامع السآمة والملل .والمعدل المألوف الذي اتفق عليها شعراء المعلقات ومن بعدهم حتى العصر الأموي يتراوح بين ( 20 : 50 ) بيتاً ، فالطول يحدَّد باعتبار المتلقي وباعتبار الوقت وكذا القائل ويُحدَّد بالتجربة الشعوريَّة والثروة اللُّغويَّة .وبالغرض من القصيدة ,وبالوزن والقافية ثانياً : المضمون :الآراء والأفكار والميول والمواقف والانفعالات التي يُعَبِّر عنها الأديب .وكما أن للشكل مستويات فإن للمضمون مستويات كذلك وهي : 1- المعاني العامة والخاصة :المعنى العام : أصول المعاني التي يتوارد عليها الأدباء ، وهي حق مشاع للجميع . يقول الجاحظ : " المعاني مطروحة في الطريق ، يأخذها العربي والعجمي والبدوي والقروي "المعنى الخاص : تفاصيل المعاني الصادرة عن تجربة ومعاناة ، وهي ما يتمايز به الأدباء ، وقد تأتي خصوصية المعنى من العامل النفسي ( الظروف النفسية للأديب) ، أو الملابسات التاريخية ، أو تأثير ثقافة الشاعر أو الكاتب.2- المعاني الجزئية :هي الأفكار والآراء والميول والمواقف والمعتقدات التي يعبر عنها بيت من الشعر أو جملة من النثر .وهي نوعان : ! معانٍ تخاطب الحس باستخدام الأوصاف والتشبيهات والاستعارات .! معانٍ تخاطب الحس والوجدان مباشرة .1- رؤية الأديب للحياة :لا يشترط أن تكون رؤية الأديب للحياة متكاملة أو صحيحة فقد نجد فيها الكثير من الخطأ أو التناقض أو النقص ولكن مطلبنا من الأديب التعبير عن انفعالات نُحِسُّها في المواقف المختلفة .وكلما كانت رؤية الأديب شاملة وواسعة لكل ما في الكون كان إحساسنا بما يقوله أقوى وأعمق ، وهذا يتطلَّب من الأديب " الأصالة" وهي صدق التعبير عما يشعر به ، فلا يكون متكلفاً أو فيلسوفاً يعطينا شعارات ومبادئ . </FONT>[/size]